الثلاثاء، 10 مايو 2022

خلفية صورة من دم فلاح

 خلفية لا تقدر بثمن

إنها خلفية من دم فلاح أكثر من مجرد عرق جبين

قبل سنوات كان مشهد خلفية الصورة عاديا  في جل بساتين البلدة...تؤثثه الخضرة الشديدة لأشجار اللوز و المشممش والرمان ... والصفرة الخفيفة التي تعلو جدائل  أشجار النخيل و رؤوس محاصيل القمح والشعير ، وزرقة السماء الصافية...

لكن  نهاية 2021 و بداية  2022 ليست كما قبلها فقد عمت

مشاهد الجفاف الأنحاء و صار بعدها المشهد نادرا ....أخيرا استسلم كثير من الاهالي فلم يقدموا على مغامرة الحرث بعد سنوات من الصمود و النضال بل  الجهاد ،  اكتووا خلالها بلهيب تكاليف الانتاج المرتفعة والتي تجاوزت بل ضاعفت قيمة محاصيلهم المعيشية الضعيفة ....

فسعر البنزين تجاوز عشرة دراهم للتر و كيس الاسمدة المستعمل بكثرة تجاوز 500 درهم ل 50 كلغ، والفرشة المائية في تراجع مستمر صارت معه تكاليف و مخاطرتعميق الابار بلا حدود ،  أما مصاريف الحرث و ثمن البذور ناهيك عن مصاريف إصلاح محركات المضخات ....

خفت هدير و دقات محركات مضخات المياه التي كانت تعم الاجواء و لم تكن تترك لك مجالا للتمييز بين الليل و النهار حتى صارت دقاتها  جزء من المشهد و لم تعد تقض مضجع أحد....

نفد الزمن الطبيعي للحرث بنهاية السنة الميلادية و لم يقدم على مغامرة الحرث إلا من لم تنل من إصرارهم المخاطرالبادية للعيان والارتفاع المهول المنتظر لتكلفة الانتاج  ، ومحاولات  الاقناع اعتمادا على النجاعة  و المردودية ... إذ يكفي حساب مجموع التكاليف لاقناع المواطن البسيط بعدم التفكير أصلا في حرث تلك المساحات الضيقة المكسوة باشجار النخيل و غيرها ذات المردودية الضعيفة بسبب اعتماد وسائل تقليدية في الري و الزرع  ... 

الابن: الحرث هذه السنة مغامرة : سعر البنزين ارتفع ، الآبار جفت ، أثمنة البذور و اليد العاملة و الاسمدة ارتفعت  ...

الأب : و إن يكن الحرث ضروري ...

الابن : غالبية الناس لن يحرثوا وأنت تعرف أن غالبية البساتين تحتاج للري كل أسبوع أواقل و الآبار قد جفت تقريبا...

الأب : كل شيء عند الله قريب...و إذا  لم يحرثوا ماذا ستأكل مواشيهم ؟ثم ألن يشتروا القمح ؟ألن يشتروا التبن ؟  حتى وإن ارتفعت تكلفة الانتاج فإنك ستشتري من حقلك  وسيكون ذلك أفضل من ان تشتري من السوق (تكيل)...

لا تنس أن مع الفلاح يعيش المساكين و الطيور و الحيوانات..اذا لم تحرث أنت و الآخر و اكتفى كل واحد بالانفاق على نفسه إلى اين سيذهب كل أولئك ....


صمت الابن  فالأب مصمم و يأبى التنازل عن قراره المغلف بقناع التجربة والمسلح بخيار" الرضا و السخط "  و قد نفضت الدولة يديها و تركت البسطاء لمواجهة قدرهم بوسائلهم البسيطة بلا دعم ولا مساندة ..أقول البسطاء لأنهم لا يعرفون ثقافة الاحتجاج و لا لغة المطالبة بالحقوق ، فلو تعلق الامر بمثلهم في مناطق أخرى لارتفعت الاصوات وكثرت الشكوى و لحزموا أمتعتهم جميعا واصطحبوا ابناءهم إلى مخرج المدينة مهددين برحيل جماعي إن لم تتدخل الدولة لمساعدتهم... 

لكن إيمان هؤلاء الراسخ و تشبتهم بأرض أجدادهم و أنفتهم لا تترك لهم مجالا ولا فرصة للتفكير في ذلك ، فالمؤكد أن أبناءهم لن يأكلوا اللحم يوميا و لن يلبسوا  ملابس جديدة الا في الاعياد،  و لن يأكلوا الفاكهة يوميا و لن يتوجهوا الى المستشفى إلا عند الضرورة القصوى  و لن و لن....لكن لن يتركوا حقولهم جرداء و إن فعل بعضهم مرغمين حتى لو كلفهم الامر ريها بدمائهم ...مستعدون للموت لتحيى الارض...

 نعم كذلك يفعل هؤلاء ليأتي مثلي من المدينة ليجد وسط مساحات جرداء مشهدا ربيعيا خلفية رائعة  لصورة يلتقطها للذكرى....

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...