السبت، 25 أغسطس 2012

نكهة العيد في القرية

   رغم أن رياح المدنية التي هبت على قريتي غيرت كثيرا من ملامحها و عصفت بعدد من عادات وتقاليد أهلها كغيرها من القرى والمدن في عصرنا ، فإنه لا تزال للعيد فيها نكهة خاصة  تجذب أبناءها المهاجرين  و تحملهم على تجشم عناء السفر و شد الرحال إليها أينما كانوا ولو من مدن بعيدة ، فالعيد خارجها بلا طعم و لا ذوق كما يقولون...
         يبتدئ يوم العيد باكرا حيث يحرص رب الأسرة على إخراج زكاة الفطر ، فيوقظ أبناءه الصغار لتوزيعها على فقراء القرية و يحرص الأقارب المتجاورون على تبادل التهاني باكرا ،  تتناول الأسرة مجتمعة وجبة الفطور  وجبة متنوعة و غير مخصصة بأكلات محددة (حلويات ،فطائر ..) تم يتهيأ الذكور لصلاة العيد  بالوضوء و الاغتسال  قبل ارتداء أجمل الثياب التي تم اقتناؤها خصيصا لهذه المناسبة  ليقصدوا مكان التقاء أهل الدوار قرب المسجد في الوقت المحدد  للانطلاق من هناك في اتجاه المصلى ..مكبرين ومهللين بشكل جماعي ... و بعد أداء صلاة العيد والاستماع للخطبتين يحرص كل فرد على ألا يغادر المصلى حتى يتأكد من مصافحة كل أو غالبية الحاضرين و مبادلتهم التهاني ... ليعود كبار  السن إلى مكان الانطلاق  فيما يتوجه الشباب والصغار للبيوت لإحضار طعام مُعَدٍّ لهذه المناسبة من قبل كل أسرة  " الكسكس " غالبا ، و للتأكد من حضور جميع الأسر  يلتمس أحد أعيان الدوار  من الحضور أن يتأكد كل واحد من حضور جاره ، ليدعو الجميع للأكل ن فيأكل هذا من طعام هذا و ذاك من طعام الآخر في جو بهيج تغيب فيه فوارق النسب و الجاه و اللون و السن و تستبعد فيه الضغائن والأحقاد... بعد ذلك يقف الجميع رافعين أكفهم مؤمنين خلف الإمام الذي يدعو للجميع بالخير والصحة والعافية و طول العمر ....و لا يفوته أن يخص الحاضرين من مدن بعيدة بدعوات خاصة تمتينا لعلاقتهم بأسرهم و ببلدتهم ....
بعد ذلك تنطلق فترة صلة الرحم و عيادة المرضى حيث يزور الأهالي بيوت القرية واحدة واحدة فرادى وجماعات صغارا وكبارا ذكورا و إناثا و يجدون غالبا كؤوس الشاي و أطباق الحلوى في انتظارهم  و بينما  يحرص الأقارب  على تهنئة جميع اهل البيت ، يكتفي الآخرون  و خاصة  الذكور بتهنئة كبيرات السن اللائي  يفترشن  بساطا جميلا  على مقربة من الباب الرئيس للبيت..وتمتد هذه العملية إلى ما بعد الزوال  ، و  يخصص  البعض  المساء و اليومين المواليين لتهنئة الأقارب القاطنين بعيدا عن الدوار ...
      إن إحساس المرء بروح الجماعة و التآزر و التكافل و التراحم  في القرية  إحساس مفقود في كثير من مدننا للأسف الشديد على كثرة سكانها ، و هذا ما يجعل منه عامل جذب يجعل الجميع يشد الرحال إليها و لو تطلب الأمر العودة في اليوم الموالي  و   يجعل العيد بالنسبة لأفرد الأسرة المقيمين بدون حضور المهاجرين  منقوصا و بلا طعم .... و لأن رياح المدنية عاتية أرجو أن تصمد في وجههها حتى تحافظ على الحد الأدنى من تميزها و تحفظ للعيد مقاصده لنبيلة ...
  ومما يؤسف له  إلغاء  ذلك الاحتفال الفني الذي كان ينظمه الأهالي  في القرية ليلة العيد و أحيانا لليال عدة  تعبيرا عن فرحتهم بهذه المناسبة و تنشطه فرقة  " رقصة أعواد " المكونة من أبناء الدوار و هي رقصة من فلكلور المنطقة وتسمى ب " رقصة السيف " في أماكن أخرى بواحة درعة ... و لعل ذلك راجع لبعض التجاوزات التي كانت تقع أثناء الاحتفال ...

8 التعليقات :

عادات اسلامية عربية تشبه كثيرا العادات لدينا في العيد
سعيدة بالتعرف لعاداتكم
في قريتكم الجميلة التي تحمل كثير من معاني التواصل والمحبة في الله

كل عام وأنت بألف خير

السلام عليكم...
ستجد شبيها بتلك العادات في كل قرية من قرى وطننا العربي بل والإسلامي أيضا، بل وستسمع من المقيمين في المدن الكبرى ممن لهم أصول قروية أو ريفية نفس العبارة (لا طعم للعيد بعيدا عن القرية)..
إنها الثقافة الواحدة التي تجمعنا، وعقبال ما يجمعنا وطن واحد من جديد.
صورة جميلة جدا تلك التي نقلتها لنا لمظاهر العيد والفرحة في قريتك الجميلة.
تحياتي القلبية لك ولكل فرد في "كيسان" :)
وكل عام وأنتم بخير

إن إحساس المرء بروح الجماعة و التآزر و التكافل و التراحم في القرية إحساس مفقود في كثير من مدننا للأسف الشديد على كثرة سكانها

كما قال اخى بهاء فى كل القرى بالعالم حتى الغربية منها ستجد هذا الدفء وهذه العادات الجميلة وليس هناك اجمل من لمة العيلة وحبهم وحرصهم الشديد على اسعاد بعضهم خاصة فى الايام الخاصة مثل الاعياد

كل عام والجميع بخير وسعادة :)
تحياتى لك اخى الكريم

الأعياد فى القرى دائما اجمل من المدن للحفاظ على التقاليد فيها أما المدن فلا وفاء لها للتقاليد أو غيرها

شكرا لكم اخوتي و اساتذتي الكرام زينة ، باها ،ليلى ،شهرزاد ...تشرفت بكلماتكم الجميلة و الحمد لله على نعمة الاسلام الذي جاء ليوحد البشرية على اختلاف اجناسها واعراقها
تحياتي

السلام عليكم،
لم يسبق لي قضاء عيد من الاعياد بالقرية ولكن يبدوا الفارق كبيرا جدا.. فالعيد عندنا أصبح جافا يكاد لا يختلف عن باقي الايام في شيء..

وفي النهاية الاشخاص من يصنعون العيد وليست الامكنة
ودمت بخير أستاذ

لكل عيد تكهة .. وما أجمل البديهو والفطرة .. في الاحتفال سعدت بما قرأت أستاذي الفاضل تحياتي الصادقة

تحياتي لقلم ينقل الواقع في حرفيّة و جمال

صاحب الزمن الجميل

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...