الاثنين، 27 فبراير 2012

الفساد و التشريع على مقاس الرباط


      لا يختلف اثنان حول كون إسقاط الفساد أهم مطلب من مطالب الحركات الاحتجاجية الأخيرة في كل مدن  المغرب ،وليس ذلك مستغربا في ظل استشراء الفساد بصورة أقرب  لجعله طبعا ، فقد صار من النادر أن يقضي المواطن أمرا مهما من أموره اليومية مكرما معززا،  بل وفي حاجة ماسة إلى مد يده إلى جيبه المثقل بالثقوب أصلا، لدفع حلاوة أو قهوة ، أينما حل وارتحل من المحكمة و المستشفى إلى" الكوميسيرية" ومنها إلى البلدية و الطرق  وهلم جرا...

وما خفي على المواطن العادي أدهى وأمر من فساد على مستوى الصفقات العمومية، وإن كان ما يبدو للعيان منها يزكم الأنوف  ، من قبيل مشاريع أنجزت من أجل أن تنجز و لحاجة في نفس من يبرمجونها فلا تعود بأي نفع على المواطن ، وأخرى  تنتهي و يشرع في تخصيص ميزانيات لترميمها بعد افتتاحها (طرق ، مؤسسات تعليمية ، بنايات عامة...) وتلك التي ترصد لها ميزانيات لإعادتها من جديد بعد سنوات قليلة من إنشائها و ومن قبل نفس المقاولين  أحيانا  (طرق ، قناطر، التشجير والتبليط ....) ودردشة قصيرة مع أي تجمع للمواطنين في أصغر مدينة مغربية كفيلة بمدك بلائحة طويلة .
       ولاستشراء الفساد بصورة لم يعد معها السكوت مقبولا  ، أسباب كثيرة فما ينشر على أعمدة الصحف الوطنية والمواقع الالكترونية يهدد المغرب بما دونه السكتة القلبية ، فكل مسؤول "يحلب" مؤسسته بجشع ، ما دامت المحاسبة مستبعدة و إن حدت بلدر الرماد في العيون كما تبين أخيرا في حكم غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بملحقة محكمة الاستئناف بسلا بأربع سنوات حبسا في حدود 30 شهرا نافذا ،على  الرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية  (الصباح : 4-4-2011)، الذي  " فرع "هو زبانيته التعاضدية "بكل ما تحمل الكلمة من معنى،  علما أن الأموال المختلسة قدرت بما يفوق  70 مليار ، ويعلم الله بكم كان سيحكم على جامع المعتصم لو استمرت مهزلة محاكمته ، رغم أنهم حين  أرادوا حجز ممتلكاته لم يجدوا ما يحجزون مع كونه برلمانيا منذ 1997 ، وتحمله مسؤولية التسيير بمدينة  سلا منذ 2003 ،،،
    و يعتبر التشريع على مقاس الرباط من أهم العوامل الرئيسة التي تغذي الفساد  وخاصة الفساد من الدرجة الثانية والذي يلمسه  المواطن العادي يوميا ، فأغلب التشريعات إلا ما ندر لا تستحضر واقع معظم  المغاربة في ميادين عدة كالتعليم والقضاء والعدل... ومن تجلياته :مدونة السير ومدونة الأسرة
 فمدونة السير  فصلت معظم بنودها  على مقاس واقع الرباط و " الرباطيين" وأبسط مثال ما يتعلق بضرورة احترام الحالة الميكانيكية للسيارات لمقاييس محددة، لا يمكن أن نجدها إلا في النزر القليل من أسطول المركبات على طرقنا بعيدا عن بعض الشوارع الراقية بالرباط والبيضاء ،وضع يستلزم تحفيز المواطنين على تجديد مركباتهم التي يفوق عمر كثير منها 25 سنة بكل الوسائل الممكنة  ـ إلا أن الواقع يظهر العكس بارتفاع مقابل التعشير  ، بحيث يضطر المواطن لدفع أضعاف أضعاف ما اشترى به السيارة في الخارج ، وقد زاد الطين بلة رفض تعشير  السيارات  فوق 5 سنوات مع بداية  2011 تطبيقا لبنود المدونة ، دون الحديث عن تخفيض أو مراجعة إدارة الجمارك لواجبات التعشير أو تخفيض الشركات المغربية لأثمان ما تنتجه من سيارات لا يرتاح لأغلبها الكثيرون، وهكذا إما أن يكون المواطن في مستوى الميسورين القادرين على اقتناء سيارات جديدة من هذه  الشركات المحتكرة للسوق المغربية وبأسعار خيالية مقارنة مع قدرته الشرائية ، وإما أن يدعن لابتزاز رجال الأمن والدرك عند كل حاجز  ، وتقنيي مراكز الفحص الثقني كل سنة – و من ثم يصدق توقع  من اعتبر تطبيق المدونة الجديدة ترقية غير مباشرة لأولئك  - فمن قبيل المستحيلات إيجاد سيارة يتجاوز عمرها 15 سنة لا ينقصها واحد أو أكثر مما يعتبر مخالفة حسب مدونة السير الجديدة ، فإن استجابت العجلات  والفرامل نسبيا للمقاييس المعتمدة  تعطلت إحدى أجهزة الإنارة  أو أهترأت النوابض ،وإن صلحت هذه تعطل عداد السرعة أو غابت آلة إطفاء الحريق أو مثلث الخطر،العداد ,,,وما يقال عن الحالة الميكانيكية للمركبات يقال عن الطرق ، وتوفر وسائل النقل المحترمة للمعايير اللازمة ،وكيفية استخلاص العقوبات إلى غير ذلك.
      و منذ بدأ النقاش حول مدونة الأسرة وخاصة البنود التي أسالت الكثير من المداد بحكم اختلاف الآراء حولها ، تعالت الصيحات لاحترام خصوصيات بعض المناطق وعاداتها أو أخذها على الأقل بعين الاعتبار ..لكن هاجس نيل رضا المنظمات الغربية أعمى الأبصار ـ وكأن قرى المغرب وأريافه تقف على قدم المساواة مع الرباط والبيضاء فكان الحسم مثلا في سن 18سنة كحد أدنى للفتى والفتاة عند الزواج...لكن المتتبع للزيجات في المغرب ومناطقه النائية خاصة سيجد فتيات كثيرات تزوجن ويتزوجن بعقد شرعي – ناهيك عمن تزوجن دون عقد – ولم يبلغن بعد سن الثامنة عشرة دون شرط  الضرورة الملحة  اللهم  رغبة الأبوين في زواجهن ، لأن من تتجاوز العشرين وربما أقل في اعتقادهم تكون قد فاتها قطار الزواج وانضمت  لنادي العوانس من جهة ، وإصرار العرسان على خطبة صغيرات السن من جهة أخرى، فكيف أذن القضاة لغير الحالات التي نصت عليها المدونة بالزواج دون سن 18 ..اسألوا أولئك الأطباء الذين يسلمون الشواهد الطبية بأعين مغمضة، والقضاة ..وقبلهم  اسألوا من زوجوا بناتهم ، ستسمعون قصصا مفعمة برائحة الانتصار  قال فيها المال كلمته  ولعب دور البطل ..وهكذا فسح هذا التشريع الذي لم يراع خصوصية بعض المناطق مكسبا جديدا لجيوب المفسدين دون الحيلولة دون الزواج في سن مبكرة ، علما ان القرى والمداشير هي المعنية بهذا القانون أصلا مادام التأخر في الزواج و العنوسة مشكلة فتيات المدن.

        والأمثلة في تشريعاتنا على مثل هذا كما قلت سابقا كثيرة، أليس التشريع على مقاس الرباط إذن من عوامل استشراء الفساد في المغرب؟

4 التعليقات :

المغاربة كلهم رباطيون، ولهم دخل واحد موحد وفوق لا بأس به.. إذن فيمكن أن يسيرهم قانون واحد موحد.
الرباط مثله مثل أعالي جبال طوبقال فما الفرق؟؟
والطرقات "مزفتة" مثلها مثل الرباط، فما الفرق؟
بنت الرباط هي مثل بنت المداشير والدواوير فالسن واحد فما الفرق؟
لله درنا أخي محمد

شكرا لك أبا حسام ..طبعا هذا تفكير من ابتلي المغاربة بتسييرهم فانهالوا عليهم بقوانين انتجت في تربة غير تربتنا وهذا هو السر ...لقد كان الأجدر القول : والتشريع على مقاس باريس ....
تحياتي

مبروك الشل الجديد أستاذي محمد .... آن لكتاباتك القيمة أن ترى النور
سأعود لقراءة النص
تحياتي الخالصة

بارك الله فيك اختي حنان شرفت صدى كيسان و مرحبا بك
ماهي إلا كلمات كتبتها في لحظة ما منذ زمن و شاء الأقدار أن ترى النور وتتشرف بقراءة أمثالك مع هذه التجربة

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...