تحقق
حلمه في الاقتراب من أسرته خلال هذا الموسم الدراسي ،وكله أمل في المساهمة في الدفع ببلدته إلى الأمام من بوابة العمل
الجمعوي
...، لا زال لم يتأقلم بعد مع أجواء مقر عمله الجديد رغم انه درس به لسبع سنوات ...
ألغى الزيارة الأسبوعية لأهله و كذا موعدين مهمين هناك بمسقط راسه ، و قد ضاق صدره و انفطر قلبه شأن كل العرب
والمسلين جراء ما يتعرض له إخوانه الفلسطينيون
من تقتيل و تنكيل على يد
المجرم شارون عقب اقتحامه للمسجد الأقصى و تفجر الانتفاضة الثانية ...و أمام هول معاناتهم بدا كل شيء في عينيه هينا رغم أن المشاركة في مسيرة غير مرخص لها محفوف بالمخاطر، ...
المجرم شارون عقب اقتحامه للمسجد الأقصى و تفجر الانتفاضة الثانية ...و أمام هول معاناتهم بدا كل شيء في عينيه هينا رغم أن المشاركة في مسيرة غير مرخص لها محفوف بالمخاطر، ...
قبل مغادرة البيت متجها صوب مقر النقابة الداعية للمسيرة ، ودع زوجته التي سيخلفها وحيدة بعد أن أحضر كل ما يلزم لوجبة الغداء ، واعدا إياها
بالعودة لاصطحابها للمشاركة أيضا لقرب البيت من نقطة الانطلاق....توصيه بالحيطة والحذر فليس بمقدورها تحمل الدَّلك أو تضميد الجراح ... " أو الموت ..." يضيف مازحا ، تنظر إليه نظرة حزينة مستنكرة فيسترسل
" الفلسطينيون يموتون فلم لا نحن .." يودعها مهرولا و قد ارتدى
بدلته الرياضية فكل الاحتمالات واردة ، و الموقف اليوم متميز بعد أن كان سابقا كثير الاحتياط
ممستحضرا وصايا و تنبيهات والديه و ظروفه العائلية ... اليوم يندفع رغم أنه
لاحظ أثناء التسوق كيف صارت بلدته الصغيرة الهادئة مسرحا لأنواع عدة من القوات
العمومية ( الدرك ، قوات التدخل السريع ، القوات المساعدة ...) وكأن الأمر يتعلق بحملة عسكرية لرد عدوان خارجي غاشم ....
يصل المكان فيجد
الحاضرين في حدود الثلاثين شخصا ، رغم أن وسط البلدة يعرف حركة غير عادية للأهالي، وُزِّعت
الشارات الحمراء و تداول الحاضرون في طريقة تنظيم المشاركين
و الشعارات الموحدة التي ستردد ، و في قرار المنع الذي اعتبره المنظمون شكليا هدفه الحيلولة دون مشاركة كبيرة للمواطنين مستدلين بتنظيمها في مدن أخرى
رغم قرار المنع ، و طرح البعض فرضية القمع فكان الاتفاق على الصمود و ضبط النفس و
تحمل كل الاستفزازات ،و التوقف الجماعي عن العمل في حال اعتقال أي مشارك ...وبُعَيد
مغادرة المقر و تجمع الحاضرين أمام الباب وبدء رفع الشعارات للتوجه نحو المكان
المحدد لانطلاق المسيرة حدث ما لم يكن بالحسبان ، قوات التدخل السريع بأعداد
تفوق عددهم مدججة بالهراوات و الأقنعة الواقية تطوقهم
و تتحرك بصورة مستفزة ومخيفة ...واتضح أنه الأمر بوأد المسيرة .. يأمرهم قائدهم بالعودة إلى المقر محذرا و
متوعدا إياهم من عواقب عدم الانصياع ، جلس الجميع حسب ما تم الاتفاق
عليه متحَدِّين أمره رافعين الشعارات بصوت عالٍ ، لم
يكلف نفسه عناء الصبر ولو لدقائق ولم يتردد في إصدار أمره لرجاله بالتدخل كما لم يتوقع
أحد لينهالوا عليهم بالضرب و السب والشتم ، و الأهالي المذعورين يتابعون
الموقف عبر النوافذ و شرفات المنازل بعد أن تم منع انضمام أحد إليهم ، وقع
من وقع و هرب من هرب و تفرق المشاركون - غالبيتهم أساتذة- عبر الأزقة المجاورة ،
وكأننا أمام مشهد مباشر من غزة أو جنين ....
تمكن عدد منهم و كان بينهم من
الوصول للشارع الكبير المؤدي إلى وسط المدينة ، متوقعين انضمام المصطفين على جنباته إليهم ، لكنهم
تسمروا في أماكنهم خوفا و كأنهم يتابعون سباقا على الطريق ..يتساءل
كيف يقتل إخوتنا الفلسطينيون و ينكل بهم و لا يحرك هؤلاء ساكنا ، و يرون أقرب
الناس إليهم مطاردين و لا يساندونهم ؟؟؟ وبدا أن لسان حالهم "
رجال التعليم أهِلٌ لذلك فهم دائما في صراع مع السلطة " ...عادت جحافل رجال
الأمن بعد أن أبعدت كثيرين في اتجاهات مختلفة لتتعقبهم وتتدخل بعنف في حق أي تجمع ، و أعينهم تترصد رجال التعليم الذين لم يكفوا عن ترديد الشعارات ...لم يستسغ الهرب رغم أن ذلك كان ميسرا لكثرة الأزقة المتفرعة
عن الشارع جنوبا وشمالا ...
، و على مقبربة من مركز البلدة حاصرته مجموعة منهم ، و رغم سقوط
أحد هم بعد محاولته ضربه إلا أن آخر فاجأه من الأمام ليوقعه
أرضا، ليتكالبوا عليه في مشهد مثير و كأنها لحظة القبض
على مجرم خطير .يمسكونه و عِصِيُهم مصوبه إليه فيتوقف عن المقاومة مستحضرا صورة الفلسطينيين المعتقلين و المستشهدين
...ولم يعرف كيف تَبَّ الله أيديهم فلم تصله أي ضربة ... " خُذُوه لْلَابْرِكَاد " صاح قائدهم بعد تلقيه إشارة من أحد من أمسكوه ، يقتاده اثنان بوحشية بالشارع
أمام الملأ في اتجاه المخفر ...،
سينسى حثما لكنه لن ينسى ذلك الرجل صاحب مشروع كبير في
البلدة (2)و الذي بدا منتشيا لحظة القبض عليه بل مشجعا للجنود ...شعر رغم ذلك بثبات غير مسبوق راضيا
بقضاء الله وقدره ، كيف لا و أغلى
أمانيه منذ أيام أن يقدم أي شيء دعما لإخوته الفلسطينيين ليريح ضميره ، و ها هو
سيدفع حريته و منصبه ومن ثم مستقبله و مستقبل أسرته الذي حلموا به سعيدا بعد ثلاث سنوات فقط من التوظيف ، والأدهى أنه سيخلف زوجته وحيدة
بعد أقل من ثلاثة أشهر على زواجهما . .. يتبــــــــــــــع...
الأحد 15 اكتوبر 2000
""""""""""""""""""""
-
(1) تحية خاصة للأخت سناء صاحبة مدونة مغربية من
ذكرتني تدوينتها بهذا اليوم ...
(2) - انتقل
الى عفو الله مؤخرا بعد معاناة مع المرض...
9 التعليقات :
والله شيء مؤثر فعلا .. ومخجل من أمة محمد أن تترك مسجدها الأقصى .. هكذا فأنا الآن استمع للشيخ القرضاوي عن المسجد الأقصى وكيف أن اليهود يردون أن يسلخوها من جلدها بارك الله فيك
مشهد مؤثر ولعله يتكرر كل فترة معينة. سأنتظر باقي الحكاية، رغم أن النهاية قد اتضحت ملامحها..
تحية تقدير أخي محمد.
@كريمة سندي
أكيد أختي كريمة
حسبنا الله ونعم الوكيل
@أبو حسام الدين
ارجو ان تكون في الموعد سي رشيد يبدو أن أفق انتظارك سينكسر هههه
تحياتي
لا أعلم الى متى سيستمر حال الاقصى يدمى قلوبنا وارواحنا
كل يوم نقرأ ونشاهد نفس القصة ونسمع نفس الأخبار ولا احد من الحكام يحرك ساكناً كما لو أنهم ألفوا الحكاية واعتادوا عليها واصبحت جزء من يومهم السياسى
لاحول ولاقوة الا بالله
متابعة لك استاذى الفاضل
تحياتى لك بحجم السماء
فى انتظار الباقى استاذنا
رأيت هذه الصورة مرات عديدة فى بلادى وكأنك تشكو حالنا
تحياتى
@ليلى الصباحى.. lolocat
بصراحة الربيع العربيع فضح هؤلاء جميعا فما قام به كثير منهم من تنكيل و تعذيب و تقتيل في حق شعوبهم يضاهي أو يفوق ما يقوم به الكيان الصهيوني
متشرف بمتابعتك
تحياتي
إنه يوم مشهود وتاريخي في الذاكرة الكدزية،يذكرنا بالزمن الجمبل في أكدز
إن التلامبذ في ذلك اليوم هم من ردوا الإعتبار لرجال التعلبم بتصديهم لرجال الأمن في مشهد يذكرنا باطفال الحجارة الشجعان الذين يقفون أمام مدافع ودبابات العدو الصهيوني الغاشم.
@غير معرف
أهلا بك أخي الكريم شرفت صدى كيسان
فعلا لقد كان يوما مشهودا و يبدو أنك كنت واحدا ممن بصموا على وقائعة و قد ذكرت بعض ما سيأتي في الجزء الثاني إن شاء الله
تحياتي
إرسال تعليق
أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...