عاد
من العمل منهكا ،يطوي المسافة التي تفصله عن بيته بسرعة البرق ..طرق الباب
كالمعتاد بهدوء ، فتحت زوجته التي كانت تنتظره على أحر من الجمر، بادرها بالتحية
لكنها لم ترد ،اعتبر الأمر سحابة صيف عابرة ، استلقى على الأريكة الرابضة في فناء
البيت ...غابت لتعود وتمر أمامه تم غابت و عادت متأففة ضاربة الأخماس في
الأسداس...لم يسعفه تعبه الشديد بَعْدُ ليتحدث ، فهو يعرفها جيدا ، و لا بد
أنها صنعت من أمر بسيط مرة أخرى قضية ولا داعي لمنحها فرصة الانفجار...
لم تستسغ لامبالاته ، صاحت بأعلى صوتها :لا لا ثم لا يكفي لقد نفد صبري...أرعدت و أبرقت و نَعَتْ حظها العاثر ، و شبابها الضائع و جمالها الذابل دون جدوى ، كيف لا وهي ترى صديقاتها يرفلن في النعيم مسكنا و مركبا و ملبسا و... و يجلدنها يوميا بقصص سعادتهن ..لعنت اليوم الذي قبلت فيه الزواج به و لم تستثن أباها من اللوم لثنائه عليه آنئذ و تشجيعه لها للقبول به زوجا ...
سألها : ما خطبك يا عزيزة ؟ لم تبال بسؤاله و استرسلت في سرد مظاهر النعيم الذي
تعيش فيه صديقاتها و مناقب أزواجهن....
استجمع قواه و وغادر البيت متأبطا سترته التي كان يغطي
بها وجهه و هي في عز هيجانها...ابتعد عن البيت ولما ينقطعْ صراخها ،اتجه لأقرب
حديقة ،كانت المقاعد القليلة ممتلئة عن الآخر، و بصعوبة وجد له مكانا ... و ما كاد
يستلقي حتى بدأت ألوان الكلام النابي تشق أذنيه وقد استباح المشردون والمتسكعون
الحديقة مع حلول الظلام... فكر في التوجه إلى مقهى الحي الوحيد لكنه
تراجع على وقع صفير و صيحات مدمني كرة القدم التي تنبعث منها خارقة الأجواء
، فكر في اللجوء إلى أحد أصدقائه لكنه تراجع فذلك يعني الإجابة عن أسئلة كثيرة قد
تعقد الوضع أكثر ، فكر في العودة إلى البيت مهما كلفه ذلك و فكر وفكر ... قبل
أن يخطر على باله الاتجاه نحو مسجد الحي .....
استند إلى إحدى السواري الخلفية بعد أن أدى تحية المسجد ، أعاد له سكون المكان
المنقطع النظير نزرا من توازنه ,,,سال الله أن يلهمه الصبر وأن يهدي زوجته التي
يحبها حبا جما ، و أن يحفظ ابنيه من كل سوء ، ثم بدأ في وضع سيناريوهات الحل
قبل أن يقطعها رفع آذان صلاة العشاء ...
أطلقت العنان للبكاء وكأنها ثكلى وانهمرت الدموع من عينيها سيولا ،
نهرت ابنها الصغير الذي سألها عن سبب بكائها ، و استرسلت قبل أن تقطع رنة الهاتف
وَلْوَلاتِها..إنها صديقتها سعيدة ؟ لماذا تتصل بها في هذه اللحظة ؟ أهو اتصال
للتشفي أم ماذا ؟ كفكفت دموعها لترد ... و كم كانت صدمتها قوية و صديقتها السعيدة
تبادرها بشكواها دون استئذان " لا أدري ما وقع صديقتي لقد عاد اليوم من عمله
في حالة يرثى لها ،انهال علي بالضرب و اسمعني كل ألوان السب والشتم بل طردني من
البيت مهددا إياي بالطلاق ...التمس منك استضافتي حتى الصباح آه آه..." ألو سعيدة
..ألــــــــو ...
أدى عبد
الله صلاة العشاء مع الجماعة و عاد
إلى البيت على أمل أن تكون زوجته عادت إلى
رشدها ,,,و على عتبة الباب تردد قليلا ثم بسمل و طرق الباب....
8 التعليقات :
سرد رائع بحق .. لحياة مليئة بالهموم في انتظار الباقية
إنه زوج ضحية ولكنه حكيم حقا، ولقد نصره الله بعد أن كادت تضيق به الأرض.
والقفلة أتت جميلة ومعبرة.. ههه لا بد أن الصديقة هي من كانت تحرضها على الثورة؟؟
تحياتي
تتطلب بعض الأمور بعض حكمة وصبر ..وكان تصرف الزوج في منتهي الحكمة
مشكلة بعض الزوجات مقارنة انفسهن بغيرهن من النساء متناسين انها حكم الضروف
قصة جميلة واحسنت السرد
أسعد الله الأوقات أستاذ محمد.
بعض الحديث بين النساء يهدم البيوت. وعلى ما يبدو أن الزوجة أدركت ولو متأخرة أنها في نعيم تحسد عليه، فليست الحياة عبارة عن ملبس ومأكل ومركب فقط... بل أشياء غير ذلك.
جاءت الفقرة التي تمثل النهاية جميلة لأنها قالت كل شيء دون أن توضح الشيء بعينه...
ودي وتقديري..
كريمة ، عبد العاطي ، هيفاء ،أبو حسام أهلا بكم إخوتي الكرام سعدت بمروركم الطيب و قراءتكم المتميزة للنص
....
أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت ....
السلام عليكم...
طبعا لا يمكن أن أفوت فرصة كقراءة قصة كهذه دون أن ألعب قليلا بالنار: "إنه قدرنا المحتوم يا صديقي، هكذا هم الرجال دوما، مطالبون بالحكمة وتحمل التقلبات النفسية والتعامل معها بهدوء"!!!
نعود للجد..
لقد أحسنت في طريقة السرد، الوثبات الزمانية والمكانية في القصة جاءت جميلة وراقية، دعمت المعنى وأتاحت مساحة لخيال القارئ، أما الخاتمة فقد توجت ذلك كله.
تقبل تحياتي...
@Bahaa Talat
أهلا بك أخي بهاء شكرا لك
يبدو أنني أنا أيضا لعبت بالنار من خلال هذه القصة ، فقد بدا لي تفاعل الأخوات مع هذا الموضوع أقل مما تعودت هههه
أرجو أن أعود يوما بنص "يتهم الرجل "
تحياتي
السلام عليكم
اخى الكريم اعتذر منك فقد تمت ازالة الرابط لمشاركتك بالمسابقة عن طريق الخطأ منى ارجو ارسال الرابط من جديد
ارجو المعذرة
تحياتى لك بحجم السماء
إرسال تعليق
أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...