الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

مدونة الأسرة المغربية: هل يعيد السجن للأسرة استقرارها ؟



                 جاءت مدونة الأسرة المغربية التي دخلت حيز التطبيق منذ سنة 2004 بمجموعة من التعديلات التي أريد لها إن تتجاوز ثغرات " مدونة الأحوال الشخصية " و وضع حد لمعاناة المرأة بشكل خاص ، ومن أبرزها جعل الأسرة تحت رعاية الزوجين معا (المادة 4) و منح المرأة حق الطلاق على غرار الرجل  (المادة 78) وتقييد التعدد، وجعل الطلاق بيد القاضي ...،و من الإجراءات المثيرة التي تضمنتها و التي تستهدف تقليص نسبة
الطلاق  إلزام الزوج بأداء المبالغ المالية المحكوم عليه بها في مهلة محددة في حال فشل محاولات الصلح بين الزوجين وإصراره على الطلاق ، وإلا اعتبر متراجعا عن طلب الطلاق و مهددا بالسجن في حال عدم الأداء ؟؟؟

          هل يعيد تعقيد المساطر للأسر تماسكها المفقود ؟

   أول ما يلاحظ أن هذا التقييد و إن قلل نسبة الطلاق و التعدد نسبيا حسب أرقام الوزارة ، فقد ساهم في كثرة المشاكل الأسرية وتعدد الأسر التي تعيش حالة اللاطلاق واللازواج ، و هجران عدد من الآباء لأسرهم مُكرَهين أومُنتقِمين ، و ما يترتب عن هذا الوضع من معاناة نفسية و مادية للأطفال ، ذلك أن كثيرا من النساء رأين في ذلك حافزا للضغط على أزواجهن بل و تحديهم وإهانتهم أحيانا ما دام الطلاق صعب المنال ، و خاصة مع سوء فهم بعضهن لمسألة تقاسم الممتلكات بعد الطلاق ..
     كما يساهم طول مدة التقاضي لأجل الحصول على الإذن بالطلاق عبر جلسات متباعدة في تعقيد المشكل في حالات كثيرة بدل حله ، فحين يقف كل من الزوجين أمام القاضي وما أدراك ما القاضي في مخيلة المغاربة  حتى يطلق العنان للسانه لسرد كل صغيرة وكبيرة يرى أنها كفيلة بتعضيد رأيه ، مما يجعل الطرف الآخر يرد بالمثل أو يرد الصاع صاعين بإيعاز من أهله أو غيرهم ، فيبدأ مسلسل الإدعاءات و التكذيبات التي يستحيل معها إعادة مياه الحياة الزوجية  إلى مجراها الطبيعي ...
   
   ما جدوى التراجع الإجباري عن الطلاق ؟

    و بعد فشل مساعي الصلح و تمسك الزوج مثلا برأيه  يرى القاضي ألا مناص من وقوع الطلاق فيحكم عليه بأداء مبلغ مالي معين مع قدر آخر شهري للنفقة والسكن ...و الواقع أن عددا من الأزواج يُقْدِمون  على الطلاق وهم بلا عمل يُدِر عليم دخلا قارا ولا ممتلكات يمكن وضعها تحت تصرف المحكمة لاستفاء المبالغ المحكوم بها عليهم ، و هو ما يعني عدم التمكن من أداء المبلغ المطلوب في الآجال المحددة ،و بالتالي يعتبر بحكم نص المدونة متراجعا عن الطلب (المادة 86 ) أي : العودة للعيش تحت سقف واحد بعد أشهر من" المعارك " و كشف الأسرار و نشر غسيل علاقتهما أمام الملأ ، ولا يخفى على أحد أن المشاكل ستكون أكثر من السابق و قد ينجم عنها ما لا تحمد عقباه ...

      هل يحل السجن المشكل ؟ 
        حين تفشل المحكمة في استخلاص المبالغ المحكوم بها على الزوج المعسر و بكل الوسائل يبقى السجن آخر حل، صحيح أن السجن مخيف مهما قصرت مدته مما يدفع الزوج المعني للإسراع في البحث عن المبلغ أو الحل، إلا أنه مع انتشار البطالة و لا مبالاة كثيرين تجدهم يفضلون السجن ... و قد فاجأني أحد المحكوم عليهم ب 15 يوما سجنا لعدم أدائه المبلغ الذي حكم به القاضي  بالقول : السجن مليء بأصحاب أحكام قضاء الأسرة و أضاف هل كنت سأحصل على 10000 درهم خلال 15 يوما ؟؟؟ صحيح أن العاقل لا يقبل دخول السجن ولو لليلة واحدة ، و صحيح كذلك أن هذا الإجراء يلوي عنق الموظفين والعمال  ممن يتوفرون على دخل قار، فكم من شخص صُودِر جزء مهم من مرتبه لفائدة مطلقته ظالمة أو مظلومة ، لكن كون هؤلاء قلة قليلة  يجعل المطلقة و أطفالها الخاسر الأكبر ، إذ في ماذا سيفيدهم سجن الزوج المطلق (الأب المعيل ) إذا كان ذلك لن يساعد على استرداد الأبوة المفقودة أو تحصيل المبلغ المحكوم به و الكفيل بتوفير الحد الأدنى من لقمة العيش ناهيك عما تخسره الدولة أيضا بإغراقها المؤسسات الإصلاحية المكتظة أصلا ، و بتحمل نفقات نزلاء كثيرين لفترات مختلفة ، ناهيك عما سيكلفه إياها مغادرة كثير منهم السجن وقد اكتسبوا  عادات سيئة من خلال  معاشرة المحكوم عليهم في قضايا جنحية .....
         
      المودة والرحمة سبيل استقرار الأسرة

     إن ضمان استقرار الأسرة المغربية هو الهدف المعلن لمدونة الأسرة قبل سنوات، و هو مطلب مشروع و عزيز  باعتباره  لبنة أساس لبناء أمة قوية ، إلا أنه مطلب  لن يتحقق أبدا بتشديد المساطر و الزجر المفضي لإكراه أحد الزوجين على العيش مع الآخر،أو الانفصال بعد صراع مرير...، و من ثم لا مناص من التركيز على التربية و التوعية و تكوين الأزواج  على سبل الحفاظ على عش الزوجية قويا و صامدا في وجه المشاكل المتعددة التي سيواجهونها لا محالة ،...كيف لا وقد قرن الله سبحانه و تعالى  السكينة أو السعادة الزوجية  بالمودة والرحمة... قال تعالى : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" سورة الروم - الآية 21


تنويه :اخترت خلال هذا الشهر تخصيص كتاباتي - تدويناتي لموضوع :  مدونة الأسرة ، الأسرة ، الزواج ؟؟؟؟ انطلاقا من قضايا عدة من المعيش اليومي  أرجو أن تكون في المستوى ، و هذه أولها .

7 التعليقات :

ذكرني مقالك أخي محمد بحادثة قبيل العيد، روى لي شخص أنه تم سجنه
لمرتين بسبب عناده وتحديه لفرحة الزوجة بالمدونة، ثم لم يعد يتعرض للسجن.
ما يجعلنا نحن لأول نصائح حكمتنا المغربية القديمة: لا يحل مشاكل الزوجين
إلا الزوجين.
وسبحان الله الذي قدر من العذاب لمن يفرق بين المرء وزوجه.

مودتي

أعرف شخصا معرفة شخصية وهو في عمري، قبل السجن على أن يسدد ما عليه طبعا له مبرر أنه لا يملك المبلغ المطلوب، كما أنه قال لن يسدد ولو امتلكه، مبررا موقفه بأنه بكلام لا يليق. بصراحة عندما تفق الاخلاق والقيم، فالقوانين لا تنفع بل تزيد الطينة بلة، فالمدونة ترغم ولا تربي.
مقال جميل تحيتي

أهلا بكما سي عبد العاطي و سي رشيد أبو حسام ...

فعلا إنها وقائع من صكيم الواقع المرير الذي نعيشه...
تشرفت بمروركما الطيب

لقد وضعت يدك على الجرح أستاذي ، لعل هذه المشاكل و التعقيدات كلها التي ذكرت سبب من أسباب عزوف الشباب عن الزواج .. نسأل الله السلامة و أن يعيد اصحاب هذا آلشأن النظر في قوانينهم

تحياتي الخالصة

أهلا بك أخت حنان
أنت على حق يفكرون في تقييد المتزوجين و ينسون غير المتزوجين
تحياتي

انا الله تعالى لم يقيد الزواج باي قيد او شرط و قال سبحانه : "انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثاثة و رباع" فكيف للبشر ان يقيدوا التعدد بقوانين وضعية ما زادت طيننا الا بلة و بالابتعاد عن اوامر الله و نواهيه نسقط في غضب الله و ها نحن نحصد ما زرعته القوانين البشرية

salam had l9anon dyal lmodawana osra sabab f l3ozof 3an zawaj

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...