الخميس، 21 فبراير 2013

قصة : اختفاء فاطمة




      

     يعرفها  من يرتادون أسواق درعة المُوزعَة على أيام الأسبوع ، و تعرفها أبواب بيوت مداشرها  وحواضرها ، التي تجوبها  طلبا للعون ،لا يثنيها عن ذلك قـر الشتاء ولا قيظ الصيف ، تَـرضى بما يُقدم لها وتُـزجل في الدعاء للصغير والكبير ،المنفق والممسك..امرأة أمازيغية سمراء  في الأربعين من عمرها ، مستديرة الوجه ، نادرة
الابتسامة ، ترتسم على وجهها المُجَعَّدِ علامات البؤس ،و يُغنِي لِحَافُها  الأسودُ الكاشف عن كل سؤال ..قيل إنها فقدت زوجها  وقيل إنه ضرير ، و لا تصطحب أحدا من أبنائها الصغار الأربعة  الذين تعيلهم ...
 أدعيتها المسترسلة  و المتميزة حسب المخاطب لا ينازعها أحد في  براءة ابتكارها  ، فللرجل الكبير دعوته " أََتْكْتْ الْحَاجْ إنْ شَاءْ الله ( 1) و للمتعلم دعوته " أَتْكْتْ لْمُدِيرْ إنْ شَاءْ الله (2)  .ولكل من البائع و العامل و..و.. دعوته.
تأسر طيبوبتُها و عذوبةُ لسانها أيدي الناس كما قلوبهم ، فيَرِقُّونَ لِحالِها و يتصدقون عليها دون حساب..
           اختفت عن الأنظار فجأة ، و افتقـُد الناسُ أدعيتَها ، لا يبالي بها البعض بأدعيتها، بينما  ترضي  غرور البعض  و تصيب  تطلعات و آمال آخرين ، اختلفت الروايات حول سِر  الاختفاء ، افتقدتها  الأسواق والدواوير والمراكز البعيدة عن القرية التي تقطن بها  ... طال غيابها فأطلق الناس العنان لمخيلاتهم فاختلفت الروايات و تناسلت الاحتمالات ...وكلف بعض مَن عز عليهم افتقادها  أنفسهم أمر تقَـصي أخبارَها...
     " اكبر أبناء فاطمة غادر البلدة في اتجاه مدينة الدار البيضاء و حصل على عمل ، و بدأ يبعث لها ما يوفر لها ما تعول به إخوته ، فلم تتردد في اتخاذ قرار الانسحاب  من ساحة الشحاذة الجذابة " ، نزل الخبر على الجميع كصخرة الثلج و صامت ألسنتهم إجلالا ، و لم يزد أحد ٌ على  تعليق  الحاج علي " القناعةُ كَنزٌ لا يَفْنَى "....



*************************

 -1  معنى العبارة : جعلك الله حاجا .
-2  معنى العبارة :  جعلك الله مديرا .

12 التعليقات :

هي وجدت ما يغنيها عن ممارسة الشحاذة، وأكيد أن العوز هو سبب لجوئها إلى هذا العمل، لكن يبدو أنها ذات قناعة فبمجرد أن حصل ولدها على عمل طلقت مد اليد للأخرين. ورغم أن الناس لم يستسيغوا الأمر، فأكيد أن من دخل ميدان الشحاذة لا يخرج منه، هو مرض كالجرب.
بعض النساء أشجع من الرجال.

السلام عليكم...
قصة تلقي ظلالها على جانب مظلم في حياتنا الاجتماعية، نتقاسم ذلك الجانب في بلادنا معكم، إنه ضعف التكافل الاجتماعي الذي يغني امرأة مثلها عن السؤال.
ختام القصة جاء يحمل خبرا لم نتعود على قراءته في تلك القصص، فكما قال أخي رشيد، فهذه النهاية لم نتعودها على من مارس الشحاذة، ولكن نهايتك هذه حملت درسا بليغا في عدم محاسبة الكل بما اقترفه البعض من آثام، حتى ولو كان البعض كثيرا، فالله وحده مطلع على ما في الصدور...
تقبل تحياتي...

@رشيد أمديون. أبو حسام الدين

متفق معك أخي رشيد
تطليق الشحاذة امر صعب على كثير من الرجال ....
تحياتي

@Bahaa Talat
أهلا بك أخي بهاء
فعلا موقف جدير بأن يصور ويلقن للآلاف محترفي الشهادة..
و هذا ما جعلني أهدي القصة لصديق مخرج سينمائي
تحياتي أخي بهاء

السلام عليكم
من قناعاتى ان اكثر المشاكل الاجتماعية ببلادنا تعود الى الابتعاد عن اداب الشريعة ومنهج التعامل الاخلاقى فى تلك المشكلات
وكما تفضل الاخ بهاء وتحدث عن مبدأ التكافل الاجتماعى الذى بدأ فى الانقراض من حياتنا هو السبب الرئيسى فى مثل هذه الصور المؤلمة
ربما هذه السيدة استطاعت ان تحسم الموقف لكن غيرها لايستطيع ويستمر فى نفس الحالة


احسنت استاذى العرض والتصوير والاسلوب بارك الله فيك
وتحياتى لك بحجم السماء

@ليلى الصباحى.. lolocat
بارك الله فيك أستاذة ليلى
التكافل الاجتماعي لا يزال قائما و إن بصورة أقل مما كان عليه و لو أن كل المحتاجين مثل فاطمة لما نقص ...
الكثيرون يتخذون الشحاذة حرفة
تحياتي

رأيت فيها قوة المرأه وامومتها عندما تعمل على ان تعول ابنائها بأى سبيل - ورأيت عطف الابن و بره بامه - حقا رائعه
تحياتى اخونا العزيز وحقاافتقدت كلماتك كثيرا وها انا اعود اليها مرة اخرى - لك منى كل المودة والتقدير

@محمد جمال
صدقت أخي محمد جمال
أهلا بك في كل وقت تشرفت
مودتي

قصة رائعة سي محمد .. أعجبتني نهايتها كما أعجبتني دعوات فاطمة .. حالة اجتماعية مؤثرة أرغمتها ظروف الحياة على مد اليد .. ولكنها توقفت بمجرد ظهور بصيص أمل في حياتها أغناها عن التسول ، وليت كل المتسولين يقتفون أثرها بدل الإدمان على التسول ..

@عمر الصولي
هلا بك سي عمر
شكرا لك على هذه القراءة المتميزة والموفقة لهذه القصة الواقعية...
تحياتي

قصر ذات اليد، أو الفاقة هي ما تجعل الإنسان يلتجئ إلى التسول في ظل غياب وسائل العيش الكريم..

ما أعجبني في هاته المرأة، أنها توقفت عن طلب الناس فور اشتغال ابنها، وهذا ناذر الحدوث، فمن يحترف التسول يبقى على تلك العادة حتى يموت.. لأنه أدمن على الكسب السهل..

كنت هنا..

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...