الخميس، 31 يوليو 2014

الإدارة المغربية وعائق الإرث الاستعماري



         رغم مرور أكثر من خمسة عقود على استقلال المغرب ، فإن الإدارة المغربية لا تزال للأسف الشديد دون مستوى تطلعات المواطن المغربي لأسباب عدة ، من أهمها وفاؤها للإرث الاستعماري الفرنسي على مستوى التشريع و التنظيم رغم دعوات المغربة والتوحيد والتعريب ... 
    و إذا كانت وقع الإرث الاستعماري على مستوى اللغة باديا للعيان و لا يختلف حوله أثنان ، حيث سيطرة اللغة الفرنسية على عدد من الوزارات كوزارة المالية والصحة و الداخلية في مخالفة صريحة للدستور المغربي في مختلف نسخه و آخرها المعدل سنة 2011  و الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمغرب إلى جانب الأمازيغية ... فإن الأمر لا يبدو كذلك في  مستويات أخرى :

على مستوى التشريع و التنظيم : تبدو كثير من التشريعات و القوانين المغربية متناغمة و منصاعة للإرث الاستعماري الفرنسي  مستبعدة  خصوصية المجتمع المغربي: دينا و ثقافة وعادات مما يعوق تطبيقها بالشكل الأمثل  ... و من أمثلة ذلك ما جاء به النظام الأساسي للوظيفة العمومية بالمغرب في باب الرخص الممنوحة للموظفين مثلا ، فقد منح المشرع الموظف ثلاثة أيام في مناسبة وفاة الاب أو الأم أو احد الابناء على غرار القانون الفرنسي ،وإذا كانت المدة تبدو منطقية بالنسبة للمجتمع الفرنسي الذي تصل فيه  العلاقات الاجتماعية بين أفراد الاسرة غالبا لمستوى الصفر ,,, فإن  الامر غير ذلك تماما بالنظر لخصوصية المجتمع  المغربي ، حيث لا تكفي المدة ، و إن كان الموظف يسكن بعيدا عن أسرته فذاك شأن آخر ، مما يجعل الانصياع للقانون أمرا مستحيلا و يفتح الباب أمام للغش و الاحتيال ، و ما يقال عن حالة الوفاة ينطبق على حالات أخرى كالزواج و الولادة ,,,,
    و نجد الامر يتكرر في جوانب أخرى كالنظام التعاضدي الذي يحصر المستفيدين إلى جانب المنخرط في الزوج و الابناء ، و هذا ايضا جد عادي بالنسبة للمجتمع الفرنسي الذي يتمتع فيه الجميع بالتغطية الصحية، فضلا عما سبق ذكره من واقع التفكك الأسري، فإن هذا يبدو غير معقول في المجتمع المغربي الذي تجد فيه الموظف يتكفل بمصاريف علاج أبويه و إخوته بل و عدد من أقاربه...مما يفتح المجال أيضا للغش و التدليس في الوصفات الطبية ,,,,، و لعل القرار الحكومي الأخير بإضافة الأبوين إلى المستفيدين خطوة في طريق تصحيح هذا الوضع ....
و يتضح أيضا على مستوى التنظيم و البرمجة و أبسط مثال على ذلك برمجة العطل المدرسية و كذا مدة الإجازة في بعض الأعياد الدينية ، ففي الوقت الذي تمنح أيام بمناسبة رأس السنة الميلادية أحد أهم المناسبات الدينية للمستعمر ، يخصص يوم أو يومان لمناسبات دينية لها في قلوب المغاربة مكانة متميزة كعيد ألضحى و الفطر و رأس السنة الهجرية علما أن كثيرا من الموظفين يعملون بعيدا عن سكنى أسرهم ,,,,,كما وقع في الموسم الدراسي المنصرم في عيد الأضحى حيث اضطرت الحكومة لإضافة يومين في آخر لحظة ، مما يضطر الموظف ايضا للتدليس للحصول على الوقت اللازم لمشاركة أسرته الاحتفال  ....
و من الأمثلة في مجال التعليم برمجة الدورة الاستدراكية للباكالوريا دورة يوليوز 2014 التي صادفت شهر رمضان المعظم، حيث تمت برمجة بعض المواد في الحصة المسائية في  تجاهل واضح لوضعية التلميذ و الأستاذ معا في شهر رمضان ، و خاصة في المناطق النائية والصحراوية اين تبعد المؤسسة عن سكنى التلاميذ و تتجاوز الحرارة 40 درجة  ، مع ان استحضار الخصوصية المغربية كان كفيلا ببرمجة جميع المواد في الحصص الصباحية  و لو بإضافة يوم  ثالث أو رابع ,,,,
و  يتوقع أن يتكرر الأمر في الموسم الدراسي المقبل ببرمجة الامتحان الجهوي الموحد للسنة الثالثة ثانوي إعدادي في رمضان مع أن استحضار الخصوصىة المغربية يتيح إمكانية تقديم موعد الامتحان المقرر إجراؤه حسب المقرر الوزيري 383/ 14 ابتداء من 18 يونيو 2015 بيومين أو ثلاثة لتفادي اجتياز التلاميذ الامتحان في شهر رمضان لموسم على الأقل ,....
    إن استمرار تجليات تأثير الارث الاستعماري على الإدارة المغربية بالإضافة إلى مخالفته الصريحة لنص الدستور المغربي ، يعد أحد اهم معيقات جهود تطويرها و محاولة الرفع من مردوديتها و فعاليتها ,,,ذلك أن القانون الذي يوضع بشكل جيد و يراعي الخصوصية المغربية يسهل تطبيقه و الانصياع له والعكس بالعكس.، و ومن ثم فالإصلاح الحقيقي للإدارة المغربية يستلزم التصدي الحازم للذين يسعون بكل الوسائل لإطالة امد الإرث الاستعماري بالمغرب على مختلف الاصعدة ...


                                   الخميس 31 يوليوز 2014

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...