الجمعة، 11 مايو 2012

قراءة في كتاب " طبيعة الضحك في الأشعار الدرعية "

        شدني الحنين للبحث في  الثقافة الشعبية التي اشتغلت عليها في بحثي لنيل شهادة الإجازة في اللغة العربية ،لاستغلال أول فرصة تسنح لي لقراءة كتاب " طبيعة الضحك في الأشعار الدرعية " للأستاذ الباحث عبد الكريم الفزني  الذي صدرت طبعته الأولى هذه السنة 2012 عن منشورات الثقافة الجنوبية ..فكان أن اخترته أنيسا ورفيقا  من وإلى مراكش الحمراء....
   أول ما يستوقف القارئ بعد العنوان الدال والواضح 
الذي يعد بجولة لا شك ممتعة بين أشعار درعة بحثا عن طبيعة و تجليات الضحك فيها، صورة الغلاف التي تظهر فيها  بناية قديمة (قصبة ،برج ، منزل,,,) نالت منها السنين ، فأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام ،مُسَوَّرَة بشجيرات النخيل بينها مثمرة ،في إشارة حسب اعتقادي لوضعية التراث الشعبي الدرعي الغني و المعرض للنسيان والإهمال  .. والتشويهليبقى الأمل في شباب درعة (شجيرات النخيل)لحمايته عبر الاهتمام به إحياء وجمعا و دراسة .... ثم الغلاف الأخير الذي ضم نبذة عن حياة الكاتب - دون صورة - ثم جردا للكتب الصادرة عن دار النشر ...
   استهل الكتاب المكون من  120صفحة  من الحجم المتوسط ، بمدخل أبرز فيه الكاتب  الإطار العام لبحثه هذا ، كما حدد  عددا من المفاهيم التي سيوظفها في تعاقد ضمني مع القارئ من قبيل : الثقافة الشعبية ،الفكاهة ،السخرية ،التنذر ..
   و خصص الفصل الأول الذي قسمه الى قسمين حدد في الأول ماهية الضحك  ، تناول مفهوم الضحك في عدد من المعاجم العربية واللاتينية كلسان العرب و اكسفورد ومن منظور بعض الباحثين كأحمد الشايب وصالح خريشات و بركسون ،وفي الثاني حدد علاقة الضحك بالفكاهة والسخرية باعتبارهما من دائرته.

    أما الفصل الثاني الذي قسمه لأربعة أقسام فخصصه لأنواع الضحك  في الأشعار الدرعية : الضحك الفكاهي ،الضحك الساخر ،الضحك التنذري ،الضحك التهكمي  معطيا لكل منها أمثلة  من أشعار: الركبة ،اقلال ،الرسمة...
فيما خصص الفصل الثالث لأسباب الضحك في الأشعار الدرعية و قسمه  لأربعة أقسام تناول في فيها أهم الأسباب معضدة بأمثلة وهي : الأشكال والأفعال والحركات ،الظروف أو المواقف،الطباع،السخرية.

     وأما الفصل الرابع  فخصصه لكيفية حضور الضحك في الأشعار الدرعية المغناة و قسمه إلى قسمين : تحدث في الأول عن التلاعب بالمعاني و في الثاني عن التلاعب بالألفاظ ممثلا في أساليب الجناس ،الطباق ،التشبيه موردا أمثلة لكل منهامما توفر لديه من أشعار درعية.
   وفي النهاية جاءت خاتمة الكتاب لتلخص مضمون الكتاب و تفتح أفاق البحث في الموضوع عبر أسئلة تنتظر من يتصدى لها ، وبعده جاء جرد لأهم المصادر والمراجع   ثم فهرس الكتاب.
    لقد أضاء الكاتب السيد عبد الكريم الفزني جانبا مهما من تراثنا الشعبي الدرعي لم تطله أقلام الباحثين بعد ، و شكل كتابة إضافة نوعية للدراسات والأبحاث المتنوعة شكلا ومضمونا والتي أنجزت حول هذا التراث بشقيه العربي والأمازيغي  ،في شكل بحوث لنيل مختلف الشهادات الجامعية أو دراسات و أبحاث خاصة، وقد ساعده في ذلك انتماؤه للمنطقة و تكوينه الأدبي الذي جعله ملما بآليات التحليل الأدبي الحديث و الأبحاث ذات الصلة بالموضوع في الأدب العربي ،ناهيك عن الذاكرة الفريدة لوالده و أشخاص مقربين آخرين التي وفرت له متنا غنيا  مكنه من رصد تجليات الضحك في الأشعار الدرعية ، لينجح بذلك في تقريب القارئ المغربي والعربي عموما من بعض ملامح خفة دم  الإنسان الدرعي و حبه للدعابة والمرح مادحا و هاجيا و ساخرا ...
و لا باس من إيراد مقطع من المقاطع التي استشهد بها  و هو لشاعر فن الرسمة  يجعل فيه جمادا موضوعا للضحك إنه السكر صاحب الشأن العالي الذي لا يلبت أن يجد نفسه قطعة متفحمة في قاع البراد لتنبعث منه روائح كريهة ص 38:
وَاجَبْ عْلِيـكْ تَبــكِ لِيلْ ونْهَارْ يَا السُّكَّرْ      مَا يْلُومَكْ عَرْبِي
واجبْ عْلِيـــــــــــــــــكْ تَبــْــــــكِ         حَتَّى يَبْرَدْ الْخَاطَرْ الْمَهْمُومْ
وَلِّيـــــــتْ فَعْمـُـــوقْ الْكَلْتـــَـــا            سُودَة مْخَلَّطْ بَحْمُومْ
لْخَنْزْ افُـــــــــــــــوحْ مَنْهَا وَانْتَ         وَسْطْهَا مَغْمُومْ
فِي كَارْ حَالَة قَامَكْ رَبِّي
  إلا إن ذلك لا يمنع من إبداء بعد الملاحظات التي لم تنل من قيمة عمله المتميز هذا :
 - تضمن الكتاب لبعض الأخطاء المطبعية رغم جودة الطباعة.
 - عدم التنصيص على مدينة الطبع و الدولة . 
- اقتصار المؤلف على شرح الكلمات الصعبة لبعض الأشعار التي استشهد بها دون معنى إجمالي مما يجعل الفهم صعبا على كثير من أبناء المنطقة وأنا واحد منهم  ناهيك  القارئ البعيد عن لهجة وعادات المنطقة  مثال ص 42.
- كان من الأفضل لو ذيل الكتاب بمتن الأشعار التي استقى منها أدلته ، لحفظها من النسيان والاستمتاع بها كاملة من جهة ،و لتكون مرجعا لغيره من الباحثين من جهة ثانية . 
     - غياب صورة الكاتب في الغلاف الخلفي و إن حضرت بصورة محتشمة بالأبيض والأسود في الصفحة ما قبل الأخيرة(ص119) إلى جانب تعريف مفصل به،  فهل هذا تواضع أم ماذا ؟
      أرجو أن تشوق هذة القراءة السريعة القارىء الكريم لقراءة الكتاب فهو جدير بها والله الموفق.


*********
الدرعية : نسبة إلى درعة  الذي يطلق على واحة نهر درعة بجنوب المغرب  (زاكورة...)

10 التعليقات :

قراءة موفقة أخي الكريم.. شكرا لك

كنت هنا..

مثل هذه الكتب تقربنا أكثر من الثقافة الشعبية وكذا العرف المحلي لأي منطقة من المناطق في المغرب، فهذا عبارة عن كتاب يجمع من فنون الادب الشعبي الهزلي منه بالأخص. علما أن أغلب الموروثات الشعبية كذلك، فهي بين الضحك والهزل لكن لا تخلو من حكم وفوائد تضمها ويستفيد منها الجميع..
قراءة جميلة أستاذ محمد، وقد قربت لنا مضمون الكتاب أكثر، شكرا لك.

قراءة موفقة تغري بالبحث عن الكتاب.
وإنه لمن الطيب أن ينبري أبناء كل منطقة
لرسم هذه الصور المشرقة في تراثنا وحضارتنا.
تحياتي وتقديري

سي خالد :لا شكر على واجب ، تشرفت بمرورك الطيب

سي رشيد : ارجو ان اكون قد وفقت لذلك فعلا في انتظار راي صاحب الكتاب و بورك فيك ...

سي عبد العاطي :صدقت اخي وهذه دعوة احد من قدموا الكثير للثقافة الشعبية المغربية و خاصة بمنطقته و أظنه العلامة المختار السوسي صاحب "المعسول" وّ "سوس العالمة"... وشكرا لك

تقديري للتقديم الوافي و الشرح الشافي لهذا الأثر
تقديم كان مثيرا لشهيّة مواصلة الكتاب .

شكراللجهد و الإفادة

صاحب الزمن الجميل

قراءة رائعة نشكرك لهذه الفرصة التي سنحتها لنا
للاطلاع والمطالعة

وكما يشرفني الانضمام لبحر لغتك الجميلة
ولمدونتك الراقية

تحيتي

شكرا اختي
مرحبا بك وبكل اهل فلسطين الابية اختي زينة انضمامك شرف كبير
مع تحياتي

جميل جدا أن يجد هذا الكتاب من يهتم به خاصة من أقلام أساتذة أجلاء يقدرون العمل ويهتمون بالمعرفة المرتبطة بدرعة الغالية المنسية من طرف الكثير من أبنائها الذين خانوا الأمانة وعقوا الأم الأصلية . وعندما أقدم أستاذي السي محمد أيت دمنات مشكورةاعلى تقديم هذا الكتيب الذي أعتبره لدرعة ومن أبنائها في لهفة واشتياق لردي فماذا سيكون موقف من أنهكه التعب في الصحراء فصادفته القدار برحمة ربانية فوجد نفسه يمتطي سنم ناقة، بعد أن ارتوى من حليبها، إلا أن يحمد ربه ويشكر من ساعده فشكري موصول إليك زميلي السي محمد وملاحظاتك لا تزيدني إلا عزما وإرادة لمواصلة الاشتغال في الحقل الشعبي الدرعي قراءة جميلة وملاحظات أجمل شكر لك ، وأعتذر على تأخير ردي فهو خارج عن إرادتيي لكثرة اشتغالتي وتعطل حاسبي عندما أقبل على تشغيله عدة مرات ولكن عندما أتيحت لي الفرصة للاطلاع ها أنذا أسرع للرد شكرا مرة أخرى

زميلك عبد الكريم الفزني

لا شكر على واجب استاذي عبد الكريم
ارجو ان اكون قد وفقت فيما اقدمت عليه حبا مني لدرعة وتراثها الغني و الشكر لك اخي ان جعلتني افكر في نفض الغبار عن جهد كبير قمت به سابقا و ظل حبيس خزانتي
فشكر لك

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...