الأربعاء، 20 يونيو 2012

الغش في الامتحانات و حديث " من غشنا فليس منا "

   شغل الحديث عن الغش في الامتحانات  المهتمين بالتربية والتعليم و غيرهم في المغرب هذه الأيام، إذ استشرى  بشكل رهيب أضحى معه في نظر كثير من التلاميذ حقا مكتسبا ، لا يمكن قبول المساس به و يدافعون عن ممارسته بكل الوسائل المتاحة ،وقد تطورت أشكاله تبعا لمستجدات عالم التقنية،وتنوعت أساليبه حتى صار موعد الامتحانات
بالنسبة لأصحاب محلات الطبع و النسخ موسما سنويا للربح السريع ،ومثلهم من عديمي الضمير  طلبة و أساتذة وغيرهم ممن يعرضون خدماتهم (التصغير والتلخيص واللصق والتلفيف و النقش...) على التلاميذ بأسعار تفضيلية  تغنيهم عن بذل أي جهد  ، أمر جعل سمعة التعليم المغربي و شهاداته و خاصة الباكالوريا  في مهب الريح ، و قد اتخذت وزارة التربية الوطنية هذا الموسم  إجراءات عدة  لضمان اجتياز الامتحانات في ظروف تربوية مناسبة أهمها منع المترشحين من اصطحاب الهواتف النقالة و ما شابهها لمراكز وقاعات الامتحان،إجراءات لاقت استحسان كل  الغيورين على التعليم المغربي آملين في أن  تضمن الحد الأدنى من تكافؤ الفرص بين المترشحين في جميع المدن المغربية و تعيد لشهادة الباكالوريا هيبتها ،...لكن نسمة الأمل تلك لم تدم طويلا إذ  سجلت  حالات غش كثيرة بالطرق التقليدية المعروفة نفسها ،و أخرى اعتمادا على وسائل عالية التقنية مكنت من تسريب بعض المواضيع للمواقع الاجتماعية على الانترنت  في غفلة من المراقبين الخائفين على حياتهم أو المتواطئين ، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى المقاربة الزجرية في ظل تعقيد مساطر متابعة المتورطين في الغش والتي تجعل كثيرا من المراقبين يغضون الطرف تفاديا ل " الطلوع والنزول " كما يقولون ، وغياب إجراءات واضحة لحماية الأساتذة المراقبين أثناء و بعد الامتحان ...
  والمؤسف أن نجد من المربين والآباء من يلوم و يلمز الصارم من المراقبين و ييبررون اللجوء للغش بكثرة المقررات و تركيزها على الكم واختلاف نسبة الحزم والصرامة في تطبيق تلك الإجراءات من مركز لآخر (الصرامة - التساهل )، و المؤسف أكثر أن نجد من التلاميذ من يبرر الغش بتورط بعض الأساتذة أنفسهم في الغش أثناء الامتحانات المهنية و غيرها من المباريات ،و هي حقيقة لا يمكن نكرانها وبالتالي " إذا كان رب البيت للطبل ضاربا فلا تلومن الأطفال على الرقص "فكيف ننتظر ممن لا يتورع عن الغش لتحقيق مآربه الشخصية أن يسهم في محاربتها في صفوف تلامذته ؟؟؟...مما يعني  ان ظاهرة الغش في الواقع  ليست حكرا على التلاميذ  ، ...و بقليل من التمعن في حياتنا اليومية  بعيدا عن التعليم نجد الغش ديدن الكثيرين و في كل مجالات الحياة : فالغش مستباح من قبل أرباب المعامل والمصانع و من قبل المقاولين الموكول لهم انجاز مشاريع عمومية من طرقات وقناطر و مدارس ...،  والغش وسيلة البنائين و النجارين و التجار ...لرفع الأرباح .و الغش سلاح المسؤولين المفسدين على المال العام ...
    الغش بهذا ظاهرة يصعب محاصرتها أو الحد منها اعتمادا على المقاربة الزجرية فقط و لو تمت الاستعانة برجال الأمن في الحراسة، لأن من طبع الغشاش الدهاء و المراوغة فكلما وضعت إجراءات و حددت عقوبات إلا وابتكرت و سائل وتقنيات أخرى أكثر تطورا ، وقد تداخلت الانتهازية و الوصولية مع المنطق التجاري الذي لا يهم أصحابه غير الربح ، ولن يبقى أمام المسؤولين في ظل غياب تحكيم الضمير أسوة بالغربيين من حل لهذه المعضلة المشجعة على الكسل والخمول والتواكل ، غير العودة للأصل و التركيز على التربية الروحية في المؤسسات التعليمية ومراكز تكوين الأساتذة و دور العبادة ,,, فمن يؤمن بمراقبة الله في السر والعلن ،وأن الله لن يبارك أي عمل أو أجر  حصل عليه عن طريق الغش ، و أن عاقبة  الغشاش عند الله في الآخرة وخيمة ..يصعب ان يقترب منه ، بحيث يصير شعار التلميذ والأستاذ والعامل والتاجر و المدير والوزير والرئيس ...و من أصغر مواطن إلى أعلى هرم السلطة في البلاد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غش فليس منا " فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟ ) ، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني) رواه مسلم .و في رواية أخرى " من غشنا فليس منا، هذا طبعا إلى جانب إجراءات فعلية لتطوير نظام المراقبة والتقويم في كل المستويات التعليمية اعتمادا على الوسائل التقنية الحديثة لأن " الطيور على أشكالها تقع " كما يقال ....

حين يعجز الزجر والقانون عن وضع حد لظاهرة خطيرة كهاته و ما شابهها من ظواهر مسيئة لسمعة منظومتنا التربوية، تبقى التربية والتربية على الخوف من الجليل هي الحل ، بحيث يصير الامتناع عن الغش في الامتحانات وفي كل أمور حياتنا اليومية في منزلة الامتناع عن الأكل والشرب في رمضان ...
 

15 التعليقات :

شغل الحديث عن الغش في الامتحانات المهتمين بالتربية والتعليم و غيرهم في المغرب هذه الأيام، إذ استشرى بشكل رهيب أضحى معه في نظر كثير من التلاميذ حقا مكتسبا ....مرحبا بتعليقاتكم

موضوع الغش مش جديد ومنتشر منذ الابد يعنى
خصوصا فى الامتحانات بيبقى الموضوع واضح اوى
يمكن زاد الفتره اللى فاتت دى
بسبب تطور اساليب الغش نفسها وبقت لا تصدق فعلا
وخصوصا ان التكنولوجيا ساعت كتير فى الموضوع ده
لكن هنوصل فى الاخر لنتيجه واحده "من غشنا فيس منا"
سواء بقى تكنولوجيا او من غيرها
بس احنا لازم نعرف انه حرام ومش من تعاليم دينا

في الحقيقة موضوع جاء في وقته.
وأعتقد أسي محمد أن وسائل الغش تطورت جدا وبشكل يواكب التقدم التقني، لكن مراقبة الامتحانات ظلت تعتمد على طرق متأخرة جدا، هي لم تتقدم أبدا بموازاة مع الغش الذي اعتمد أصاحبه على التقنية الحديثة بكل أنواعها.

الغش في كل حته مش المغرب بس
المشكله ان معظم الناس بتحلله لنفسها
علي اساس انهم في زنقه وبيفكوها
الضرورات تبيح المحظورات
معرفش ليه بنجزأ مبادئنا
بس التعليم عموما بقي بالدرجه مش بالقدره
عشان كده الغالبيه بتلجأ للغش

هى مشكلة ليست بالمغرب فقط بل فى كل البلاد بالعالم
اذا انعدمت الاخلاق ومات القلب وقل الايمان توقع اى شىء من الانسان

نسأل الله تعالى ان يصلح حال امتنا

جزاك الله خيرا استاذى وبارك فيك
تحياتى لك

أخي محمد

كل ما اخشاه ان تصبح حالات الغش ظاهرة مستفشية في المجتمعات العربية كلل
هنا في فلسطين لدينا من هذه الحالات وبالأشكال التي ذكرت ولكن ليس بالصورة المتواجدة لديكم..


أشكر طرحك الطيب
وسردك للحقائق بهذا الشكل الدقيق
تحيتي لك اخي

للأسف الغش صار وباء فى كل مكان
بل هو كذلك منذ سنوات طويلة
و الغريب ان لكثيرين يجدون لانفسهم المبررات فهكذا النفس أمارة بالسوء
و يقف الملتزمون الذين لا يغشون كأنهم ديناصورات منقرضة و يشعرون بالحسرة حين يتفوق عليهم اقرانهم من الغشاشين ظلما
مشكلة عانيتها أثناء دراستى و مع طلبتى فى الجامعة و مع أبنائى الآن الذين لا يغشون ابدا ثم يتفوق عليهم الغشاشين كثيرا من المرات
ربنا يحفظنا يا أخى

شكرا لكم جميعا اخوتي الأفاضل كلا باسمه على تفاعلكم مع الموضوع الذي لا يستثني بلدا في وطننا العربي للاسف الشديد...
و للاخوة المعلقين الجدد أقول : شرفتم صدى كيسان و و ساسعد أكثر بعضويتكم و شكرا لكم.

هذا الموضوع يجعلني أبكي أيام الامتحانات حقا

لأن الأغبياء في نظر الجميع مثلي الذين يجتهدون طول السنة لنيل نتائج جيدة يقضون كل السنة لتحقيق ذلك و البعض بكل وقاحة يحضر معه هاتف نقال و انتهى الأمر
لكن في نظري هذا أمر حرام يعني لا يمكن أن أأتيه كإنسانة مؤمنة واعية بكم النعم التي أنعم الله علينا بها و منها كل الظروف لأنجح بمجهودي الخاص و ثانيا من باب الإخلاص في العمل فمن لم يدرس اليوم كيف سيتقن عمله غذا ؟ و صدقني عندما أقف على لوحة النتائج و أقول في نفسي أنا حققت هذه النتيجة أكون فخورة بنفسي و أتساءل ما مشاعر من يغش ؟
طبعا هو ظلم للذي يذاكر أن يحصل أخر يغش على نفس نتيجته لكن الله سبحانه و تعالى يرى و يسجل و كفانا ذلك .

طبعا مع الباكالوريا يكثر الحديث عن الأمر .. و الحقيقة هو مشكلة أصبحت تتفاقم بوما بعد يوم
و كما قالت لي أمي يوما الحل ليس في المراقبة أثناء الامتحانات فقط بل بالضغط على الأساتذة أيضا لتأدية واجبهم أثناء السنة بشكل جيد لكي لا يكون للتلميذ أي عذر و تتخذ ضد من يغش إجراءات صارمة

موضوع في الصميم .. بوركت أخي .

أختي ايمي
لا داعي للبكاء أختي الغشاشون والمتواطئون معهم أولى ببكاء الدم
أمثالك كثيرون و ما زال هناك خير كبير ..
تحياتي لك ولأمك التي ربتك على القيم النبيلة

الأمر يحتاجُ لحزم و رقابة و توعية عندما تجتمع تُحَل المشكلة بأذن الله ~
د. محمد : يعجبني خوفكَ على المجتمع و سعيكَ للإصلاح
أتمنى حقيقة أن تُجني ثماراً طيبة
طبت

انا صراحة ، لقد فوت هذا امتحان اولا بكالوريا بحراسة مشددة ، فلا مجال للغش، بالاضافة الى دخول المدير في اوقات غير متوقعة لمراقبتنا بشكل جدي ومشدد، ولا أعلم بالنسبة للمؤسسات الاخرى....

الغش دليل على أنه لم يعد للعلم قيمة تحياتي

ميس : شكرا لك أختي متفق معك في ما أوردت

عز الدين : هكذا يجب ان يكون الحال اسأل الله لك التوفيق

كريمة :صحيح شكرا على مرورك الطيب
مع تحياتي

هذا احد اسباب تدنّي المستويات العلمية في بلداننا ..
و هو باب مزايدة على المجتهدين و عامل لبثّ الفشل فيهم .

تقديري لورقة نقدية لواقع لا يسرّ .

صاحب الزمن الجميل

إرسال تعليق

أخي القارىء أختي القارئة تعليقك على الموضوع دعما أو نقدا يشرفنا فلا تتردد في التعليق عليه ...